المـلـكـة نـفـرتـاري.. جـمـيـلـة
الـجـمـيـلات
على أن تسمية رمسيس لها بذلك اللقب كان تأكيداً لمكانتها في قلبه.
وأنها هي الزوجة الرئيسية والأهم عندما يعتلي عرش مصر بعد أبيه. وكان ذلك الأمر يهمه بصفتها الزوجة الأولى بالرغم من أن أمه الملكة تويا قد أقنعت الملك سيتي بأن تختار له زوجة ثانية من أميرات الشمال هي (إيزيس نفرت) لم يستطع رمسيس أن يقربها إلى قلبه. وقد وصفت نفرتاري في نقش كتبه رمسيس موجود الآن بمتحف بروكسل على قطعة من تمثال لها بأنها: (الأميرة الممدوحة كثيراً... سيدة الرشاقة وراحة الحب ووارثة الوجه القبلي والوجه البحري, وماهرة اليدين بالضرب بالصاجات, وحلوة الحديث والغناء, زوجة الملك العظيمة ومحبوبته وزوجة الثور القوي. العائشة مثل الشمس إلى الأبد).
ولا نزاع - كما يقول المؤرخ المصري سليم حسن في موسوعته عن مصر القديمة - (أن بعض هذه الألقاب يشير إلى الدور الذي كانت تلعبه هذه الملكة بوصفها (زوج الإله) في الاحتفالات الدينية التي تشارك فيها الفرعون). وقد كان من سوء حظها أن ولديها الأمير (آمون خيروشف) ثم الأمير(خعموست) ماتا في طفولتهما كما هو منقوش في معبد (بيت الوالي) بالنوبة.
أما ابن الملك الثالث الأمير رعسمو فهو ابن الملكة (إيزيس نفرت).
ومن أجل أن يخفف رمسيس عن زوجته المحبوبة نفرتاري, ولأجل أن يكون زواجهما رسمياً ترضى عنه الآلهة. فقد عدل الملك القوانين التي كانت تمنع الملك من الزواج من عامة الشعب. وبعد أن تم الزواج وأعلن رسمياً , عاد الملك فألغى التعديل وأعاد القانون إلى أصله.
غيرة الأنثى
على أن كل ذلك لم يمنع الغصة التي أحست بها نفرتاري حين منح الملك لرعسمو ابن الزوجة الثانية (إيزيس نفرت) لقب (الأمير الوراثي والقائد الأعلى للجيش ومدير شئون جلالته). ولعل ذلك كان بداية مشاعر الغيرة الأنثوية عند نفرتاري من منافستها التي كانت تساندها الملكة الأم تويا. وإن كان ذلك لم يمنع من أن تظل هي المحبوبة الأولى للملك الذي كان شغوفاً بها وبوجودها إلى جواره في جميع الأمكنة والمناسبات الكبرى. وقد برزت مشاعر غيرة الأنثى في أنها أرادت أن تؤكد للملك أنها تستطيع أن تكون أماً لأكبر عدد من أبنائه فظلت تستسلم لكل رغباته في كثرة الإنجاب منذ تزوجها وهو في الخامسة والعشرين.
وكأنما كان هناك سباق بينها وبين زوجته الثانية ثم الثالثة والرابعة والخامسة حيث شجعته أمه تويا على الإكثار من الزوجات الرئيسيات بخلاف الزوجات الثانويات والمحظيات.
فكانت نفرتاري كلما أنجبت ابناً لرمسيس عاشق النساء وخاصة الصبايا منهن, فوجئت بملاحقة إيزيس نفرت لها بإنجاب وليد آخر. ويقول بعض المؤرخين إن سيتي الأول والد رمسيس الثاني رأى قبل وفاته ما لا يقل عن خمسة عشر حفيداً من أبناء نفرتاري وإيزيس نفرت والأخريات.
وتبين آخر الاكتشافات التي عثرت عليها بعثة (كنت ديكسي) أستاذ علم المصريات ما يؤكد كل ذلك, حين وقع على مقبرة لأبناء رمسيس الثاني حيث وجد 67 حجرة دفن بخلاف وجود عشرين حجرة دفن أخرى لأبناء رمسيس في ممر طويل. ومع مواصلة الكشوف عثر على ممرين يتفرعان من الممر الرئيسي بكل منهما عشرون غرفة دفن لأبناء الملك. وتدل بقايا الأواني والقطع الأثرية التي وجدت مبعثرة على أرض الغرف على أنها مقابر دفن فيها أمراء بالفعل.
وليست هناك معلومات تذكر عن هؤلاء الأبناء ما عدا اثنين من أولاد رمسيس الثاني كانت لهما مقابر منفصلة أولها في سقارة بينما هناك مقبرة أخرى لوريث العرش مرنبتاح الذي وضعت مومياؤه في قاعة المومياوات بالمتحف المصري, والذي يقول بعض المؤرخين إنه فرعون الخروج الذي غرق مع جيشه في البحر الأحمر وهو يطارد النبي موسى وأتباعه من بني إسرائيل.
معبد نفرتاري ومقبرتها
كان الإنهاك والضعف بدآ يظهران على الملكة نفرتاري برغم أنها لا تزال شابة بعد. ولكن كثرة الحمل والإنجاب مع الغيرة الشديدة زادا يوما بعد يوم من شحوبها. وبالرغم من أن رمسيس الثاني كان يعمل على استرضائها دائماً ويأخذها معه في مختلف الرحلات النيلية والمناسبات الدينية, فإن كل ذلك زادها ضعفاً وإنهاكاً .
وفي آخر رحلة لهما أراد رمسيس أن يسعدها بمفاجأتين.
وكما تقول باحثة المصرولوجيا فيوليت خانويك: (كان رمسيس يستعد للاحتفال بافتتاح معابد أبي سمبل بعد الانتهاء من نحتها في قلب الجبل. ولم يكن قد ذكر لنفرتاري تفاصيل الرحلة وأهدافها عندما كان يقلهما المركب الملكي من العاصمة الشمالية (بي رمسيس) إلى النوبة.
وهي رحلة شاقة لإنسانة في غاية الضعف والإنهاك. وقبل أن يبلغا أبوسمبل قال لها وهما يجلسان تحت ضوء القمر وكفها بين كفيه: (ستعرفين هناك كيف أنني أردت أن أجعلك إلهة معي. فقد أصدرت أوامري إلى النحاتين لكي ينحتوا إلى جانب معبدي الكبير في أبي سمبل معبداً آخر باسمك تقرباً للإلهة حاتحور), وتهلل وجه نفرتاري وهي راقدة فوق محفتها الفاخرة برغم إعيائها الشديد. وكادت تنسى هذا الإعياء وهي تشهد معبدها الذي تم حفره في قلب الجبل بجوار معبد رمسيس وقد نحت على واجهته ثلاث مشكاوات محفورة تقف فيها تماثيل ضخمة يصل ارتفاعها إلى عشرة أمتار وهي أربعة للملك واثنان للملكة. وفتحت عينيها في ذهول وهي تشهد أن تمثالها بحجم تمثال الملك نفسه. فهي أول مرة في التاريخ الفرعوني يكون فيها تمثال الملكة في حجم تمثال الملك.
وداخل المعبد وعلى الجدار الجنوبي يبدو منظر غاية في الروعة يمثل الوقفة الملكية للملكة تتوجها الإلهة إيزيس والإلهة حاتحور وهما يلبسانها تاج حاتحور برأس البقرة.
كانت المفاجأة شديدة الوقع على نفرتاري فقد وجدت أن زوجها قد ألّهها.
وعادت بذاكرتها إلى ما شهدته في مقبرتها التي شيدها لها الملك في الضفة الغربية بطيبة. إنها أجمل مقابر ملكات مصر الفرعونية على الإطلاق, وأغمضت الملكة نفرتاري عينيها على آخر مشاهد تأليهها قبل أن ترحل إلى السماء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
من فضاء المعرفة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق